الشفق القطبي

الشفق القطبي (بالإنجليزية: Aurora) ظاهرة طبيعية تحدث للضوء الموجود في السماء، ويُرى بالعين المجردة في الليل، ويُطلق على هذه الظاهرة اسم الأضواء الشمالية (بالإنجليزية: Northern Lights) أو الشفق القطبي الشمالي (بالإنجليزية: Aurora Borealis) إذا حدثت في نصف الشمالي من الكرة الأرضية، أمّا إذا حدثت في النصف الجنوبي منها يُطلق عليها اسم الشفق القطبي الجنوبي (بالإنجليزية: Aurora Australis) أو الأضواء الجنوبية (بالإنجليزية: Southern Lights)، ويُوضح الشفق القطبي تأثير نشاط الشمس في الغلاف الجوي للأرض، إذ تضيء هذه الظاهرة السماء بألوان متعددة ذات منظر خلاب وجميل، وتظهر أضواء الشفق القطبي بشكل رئيسي على شكل أقواس، أو سحب (غيوم)، أو خطوط، وتختلف طرق ظهورها، إذ يتحرك بعضها، أو قد يضيء السماء، أو قد يظهر سريعًا ويختفي (يرمش).[١]


كيف يتكون الشفق القطبي

ينشأ الشفق القطبي بداية على بعد 145 مليوناً كم من الشمس تقريبًا، إذ يتمّ إطلاق تيار من الجزيئات المشحونة، والتي تُعرف باسم الرياح الشمسية (بالإنجليزية: Solar Wind)، فتنتقل عبر النظام الشمسي، وعندما تصل هذه الجزيئات إلى الغلاف الجوي الخارجي للأرض، فإنّها تصطدم بالجزيئات المشحونة الموجودة في غلاف الأرض المغناطيسي مثل الأكسجين والنيتروجين، وتتسبب هذه الاصطدامات بتحرير جزيئات الأكسجين والنيتروجين من الغلاف المغناطيسي، فيتأثر الأكسجين والنيتروجين بهذه الاصطدامات، وعادة ما ينبعث منها الضوء عند عودتها إلى مستوى طاقتها الأصلي، وتدخل هذه الجسيمات باتجاه خطوط المجال المغناطيسي للأرض، وعادة ما تنتقل نحو القطبين؛ بسبب ميلان محور دوران الأرض بحوالي 10° درجات عن الأفق، وحسب رأي الباحثون، يُمكن رصد ورؤية الشفق القطبي في المنطقة الموجودة بين 60°-70° درجة تقريبًا من خط العرض فقط.[٢][٣]


ويصعب مشاهدة الأضواء الجنوبية (الشفق القطبي الجنوبي) على الرغم من حدوثها في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية؛ نظرًا إلى اختلاف التضاريس ووعورتها في منطقة القطب الجنوبي أكثر مما هي عليه في النصف الشمالي من الكرة الأرضية.[٤]


أماكن وأوقات رؤية الشفق القطبي على الكرة الأرضية

يُمكن مشاهدة الشفق القطبي الشمالي في فصل الشتاء بشكل جيد، خاصة خلال أشهر أيلول/ سبتمبر، وكانون الأول/ أكتوبر، وآذار/مارس، ونيسان/إبريل، وتُعدّ ألاسكا وشمال كندا من أفضل الأماكن لمشاهدة الأضواء الشمالية، لكن زيارة هذه المساحات الشاسعة المفتوحة ليست دائمًا سهلة، كما يوجد في كل من النرويج، والسويد، وفنلندا نقاط مراقبة ممتازة، خاصة خلال فترات التوهجات الشمسية النشطة، كما يُمكن رؤية الأضواء عند قمة اسكتلندا وشمال إنجلترا،[٤] وعلى الرغم من أنّ رؤية الشفق القطبي الجنوبي أكثر صعوبة، إلّا أنّ أفضل وقت لرؤية الأضواء الجنوبية يكون بين شهري آذار/مارس، وأيلول/سبتمبر، ويُعدّ شهر أيار/مايو هو أفضل وقت لمشاهدة الشفق القطبي الجنوبي؛ لأنّه يكون بداية فصل الشتاء في المناطق الجنوبية، فتكون السماء صافية، ويُمكن أن تظهر الأضواء الجنوبية بشكل جميل جدًا، وتُعدّ مناطق نيوزلندا وأستراليا هي أفضل الأماكن لمراقبة الأضواء الجنوبية، وتُعدّ بحيرة تيكابو (بالإنجليزية: Lake Tekapo) في نيوزلندا من أروع الأماكن لمشاهدة الأضواء الجنوبية، وفيها يكون التلوث الضوئي قريبًا من الصفر، كما يُمكن أن تكون قمة جبل جون (بالإنجليزية: Mount John) من أفضل الأماكن لمراقبة السماء في ليلة صافية ومظلمة.[٥]


أماكن حدوث الشفق القطبي في المجموعة الشمسية

لا يحدث الشفق القطبي على الأرض فقط، بل يحدث في أماكن أخرى في النظام الشمسي، وربما يحدث على الكواكب الخارجية أيضًا، إذ تمتلك الكواكب الغازية العملاقة في النظام الشمسي (المشتري، وزحل، وأورانوس، ونبتون) أغلفة جوية سميكة ومجالات مغناطيسية قوية، وهناك شفق قطبي لكل منهما يختلف عن ذلك الموجود على كوكب الأرض؛ نظرًا إلى أنّها تتشكل في ظل ظروف مختلفة، كما يتكون على سطح كوكب الزهرة شفق قطبي ناتج عن مجاله المغناطيسي الممتد (الذيل المغناطيسي)، أمّا كوكب المريخ فإنّ له شفقًا محليًا فقط بسبب المجال المغناطيسي الموجود في القشرة؛ ولأنّ غلافه الجوي رقيق جدًا مقارنة بالشفق القطبي العالمي، وأثناء استكشاف الغلاف الجوي للمريخ وتطوره وتغيّراته وجدت مركبة الفضاء مافن (MAVEN) التابعة لوكالة ناسا شفقًا واسع النطاق في نصف الكرة الشمالي لكوكب المريخ ناتجة عن جزيئات نشطة تضرب غلافه الجوي.[٤]


ألوان الشفق القطبي

غالبًا تظهر ألوان الشفق القطبي باللون الوردي، والأخضر، والأزرق، والأصفر، والبنفسجي، وأحيانًا تكون باللونين البرتقاليّ والأبيض؛ ويرجع السبب في ذلك إلى تصادم ذرات الجسيمات القادمة من الشمس مع ذرات الغاز في الغلاف الجوي كالأكسجين والنيتروجين، فعندما تصطدم الجسيمات بالأكسجين يظهر الشفق القطبي باللون الأصفر أو الأخضر، أمّا عند اصطدام الجسيمات مع النيتروجين يظهر الشفق القطبي باللون الأحمر، أو البنفسجي، أو الأزرق؛ ويعود هذا التنوع في الألوان إلى اختلاف نوع التصادم؛ فعندما تصطدم الجسيمات مع النيتروجين الذري يظهر الشفق القطبي باللون الأزرق، وعند تصادم الجسيمات مع النيتروجين الجزيئي يظهر الشفق القطبي باللون الأرجواني، وتتأثر ألوان الشفق القطبي بتغيّر الارتفاع، فيظهر الشفق القطبي باللون الأخضر في المناطق الذي يصل ارتفاعها إلى حوالي 241 كم، ويظهر الشفق القطبي باللون الأحمر في المناطق ذات ارتفاع أكبر من 241 كم، كما يظهر اللون الأزرق على ارتفاع 96.5 كم، ويظهر اللون البنفسجي على ارتفاع أكبر من 96.5 كم، وتظهر هذه الأضواء في السماء على شكل حزمة ثابتة أو دائمة التغيّر إذا كانت التوهجات الشمسية قوية جدًا.[٦]


تاريخ الشفق القطبي

لم يستطع الإنسان قديمًا معرفة أسباب هذه الأضواء في السماء، واستمرت التكهنات والخرافات لآلاف السنين، ففي كهوف فرنسا هناك رسومات عديدة تعود إلى 30,000 عام، ويُعتقد أنّها رسوم توضيحية لظاهرة الشفق القطبي الطبيعية، إذ كان يُعتقد سابقًا -خاصة في زمن انتشار الخرافات وشيوعها بشكل كبير- أنّ الأضواء الشمالية هي نذير حرب أو دمار، قبل أن يفهم الناس حقيقتها وأسبابها، ويشير العديد من الفلاسفة الكلاسيكيين والمؤلفين وعلماء الفلك، بما في ذلك أرسطو (Aristotle)، وديكارت (Descartes)، وغوته (Goethe)، وهالي (Halley) إلى الأضواء الشمالية في أعمالهم، وفي وقت مبكر من عام 1616م، استخدم عالم الفلك غاليليو غاليلي (Galileo Galilei) اسم الشفق القطبي لوصفها، متخذًا اسم الإلهة الرومانية الأسطورية للفجر، أورورا (Aurora)، والاسم اليوناني لرياح الشمال، بورياس (Boreas).[٤]


فوائد متابعة الشفق القطبي

يُعدّ ظهور الشفق القطبي إحدى الطرق التي يُمكننا من خلالها ملاحظة تأثير الغلاف المغناطيسي بشكل مرئي، كما أنه دليل على أن الشمس والأرض عبارة عن نظام متصل مع بعضه البعض بأكثر من كون الشمس مصدر الضوء للأرض، ويُلاحظ أن الغلاف المغناطيسي للأرض متغير، وهو ما يدفع شركات الفضاء لإرسال أقمار صناعية لاكتشاف أسرار هذا الغلاف، والتأكد من تأثيرات الشفق القطبي على الأرض، حيث لا يوجد شيء يثبت أن الشفق القطبي يؤثر حقًا في أنماط الطقس على الأرض، لكنه يخلق اضطرابات في الغلاف الجوي العلوي وهو ما ستكشفه الأبحاث لاحقًا.[١]


المراجع

  1. ^ أ ب "Aurora", Nasa Science, Retrieved 5/6/2021. Edited.
  2. "Aurora Borealis", rmets, Retrieved 7/6/2021. Edited.
  3. "Aurora Australis Observed from the International Space Station", Earth Observatory, 29/5/2010, Retrieved 5/6/2021. Edited.
  4. ^ أ ب ت ث Space.com Staff (12/10/2017), "Northern Lights: What Causes the Aurora Borealis & Where to See It", Space.com, Retrieved 5/6/2021. Edited.
  5. "Electric dreams: when and where to see the Southern Lights", nationalgeographic, Retrieved 8/6/2021. Edited.
  6. "What causes the colors?", space, Retrieved 4/6/2021. Edited.