ما هي ملوثات التربة؟

يُعرف تلوث التربة (بالإنجليزية: Soil Pollution) بأنّه أيّ زيادة في تركيز المواد الكيميائية السامة في التربة بما يجعلها مصدر خطر على صحة الإنسان، والحيوان، واستقرار النظام البيئي بصفة عامة، وقد يحدث تلوث التربة بشكل طبيعي إذا زادت مستويات بعض العناصر فيها، وتخطت النسب الطبيعية لها في التربة،[١] قد ينشأ تلوث التربة من مصادر متعددة، مثل: التجارب النووية، والانسكابات النفطية وغيرها، وبعض الأنشطة البشرية والمتمثلة بالنفايات، والمخلفات، والمواد الكيميائية من المبيدات الحشرية والأسمدة، وغيرها.[٢]


أنواع ملوثات التربة

هناك العديد من الملوِّثات الموجودة في التربة، وتنقسم إلى:[٣]

  • المعادن الثقيلة والفلزَّات: تتمثل المعادن الثقيلة والفلزات (بالإنجليزية: Heavy Metals and Metalloids) بمجموعة من الفلزات واللافلزات التي تتميّز بكتلة ذرية مرتفعة، مثل: الرصاص (Pb)، والنحاس (Cu)، والزنك (Zn)، والزئبق (Hg)، والقصدير (Sn)، والكادميوم (Cd)، وتصل هذه العناصر للتربة عن طريق المخلفات الصناعية، ومخلفات المناجم، ومكبات النفايات، والأسمدة، والمبيدات الحشرية، ومياه الصرف الصحي، والبنزين الغني بالرصاص، ومخلفات عمليات الاحتراق، والعديد من المصادر الأخرى، ومن الجدير بالذكر أنّ وجود هذه العناصر في التربة بنسب قليلة مهم لحياة الكائنات الدقيقة، ولكن وجودها بنسب مرتفعة يشكل سُميَّة عالية، وتكمن خطورتها في عدم قابلية هذه المعادن للتحلل، وقدرتها على التراكم في أنسجة النبات والحيوان.
  • النيتروجين والفسفور: يُعدّ النيتروجين والفسفور (بالإنجليزية: Nitrogen and Phosphorus) من المكونات الرئيسة لهياكل الإنسان والحيوان، والجزيئات البيولوجية لأجسام الكائنات الحية، كما أنّهما مكونات أساسية من مغذيات التربة التي يستهلكها النبات في عمليات الأيض والبناء الضوئي، وهي العمليات الأساسية التي تؤدي إلى نمو النباتات وازدهارها، ويدخل النيتروجين والفسفور بشكل أساسي في صناعة الأسمدة الزراعية التي بدورها تساعد النبات على النمو، ويزيد من إنتاج المحاصيل، ولكن على العكس فإنّ وجودها بنسب مرتفعة في التربة يؤدي إلى انخفاض كفاءة المغذّيات؛ مما يؤدي إلى ضعف المحاصيل الزراعية.
  • المبيدات الحشرية: تمثل المبيدات الحشرية (بالإنجليزية: Pesticides) الطريقة الأمثل للمزارعين للتخلص من الحشرات والآفات التي تضر بالمحاصيل الزراعية، وتسبب خسائر مادية كبيرة للمزارعين، وتشمل مبيدات الحشرات: مبيدات الأعشاب، والحشرات، والفطريات، وغيرها، وتكمن خطورة المبيدات الحشرية في التطبيق الخاطئ لها على المحاصيل الزراعية، مثل استخدام كميات كبيرة منها، واستخدام الطائرات في رش المحاصيل؛ مما يؤدي إلى وصولها إلى أماكن غير مطلوب رشها.
  • الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات: تعرف الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات (بالإنجليزية: Polycyclic Aromatic Hydrocarbons) أنّها مجموعة من الملوثات العضوية الثابتة وشبه المتطايرة والمكونة من حلقتين أو أكثر من حلقات البنزين غير المستبدلة عند مشاركة زوج من ذرات الكربون بينهما، وتختلف فيزيائيًا وكيميائيًا، ويُسبب وجودها ضررًا بالكائنات الحية الدقيقة، كما أنّه يسبب تلوث المياه الجوفية والسطحية، ويتمّ الاحتفاظ بها في التربة لفترات زمنية طويلة؛ لأنّها لا تتحلل في الماء، وتنتج بشكل أساسي من احتراق الوقود الأحفوري، واحتراق الأخشاب، ومن محركات الديزل والبنزين، والري بمياه الصرف الصحيـ واستخدام الأسمدة.
  • الملوِّثات العضوية الثابتة: تُعرَّف الملوِّثات العضوية الثابتة (بالإنجليزية: Persistent Organic Pollutants) على أنّها مواد كيميائية تنتقل في السلاسل الغذائية عن طريق تراكمها في دهون جسم الكائنات الحية، فهي محبّة للدهون وكارهه للماء، ويزداد تركيزها عند انتقالها إلى كائن حي آخر، وتعود أصول هذه الملوِّثات إلى العمليات الصناعية المُستخدَمة للتحكم في المزروعات والأمراض والعديد من الصناعات، وتتمتع الملوِّثات العضوية بقدرتها على اختراق الماء وهو في الحالة الغازية، وانتقالها إلى الجو؛ مما يُمكِّنها من الترسب على بعد عدة كيلومترات، كما أنّها تُمتص بشكل سيء من قبل النباتات، ولكنها تتراكم بشكل جيد في أجسام الحيوانات، وهذا ما يزيد من خطورتها.
  • النوييات المشعّة: تنتج النوييات المشعة (بالإنجليزية: Radionuclides) من انبعاث الإشعاعات أثناء تحلل الذرات النشطة ذات أنصاف الأعمار الطويلة وأكثرها شيوعًا (40K ، 238U, 232Th, 90Sr ،137Cs).
  • الملوّثات الناشئة: الملوثات الناشئة (بالإنجليزية: Emerging Pollutants) هي عبارة عن عدد كبير من المواد كيميائية الاصطناعية التي تحدث بشكل طبيعي، وظهرت مؤخرًا في البيئة، ولا يتمّ مراقبتها بالشكل اللازم، وتتضمن المواد الكيميائية مثل المستحضرات الصيدلانية، والملوثات البيولوجية، مثل: البكتيريا، والفيروسات، ولهذه المواد القدرة على إحداث أضرار بيئية وبشرية عديدة.
  • الكائنات الحية الدقيقة المسببة للأمراض: تنشأ الكائنات الحية الدقيقة المسببة للأمراض (بالإنجليزية: Pathogenic Microorganism) من الكتلة الحيوية، والتنوع الحيوي الكبير الذي يسبب ظهور كائنات حية دقيقة تتنافس فيما بينها داخل التربة، وتستخدِم الإنسان كوسيلة لإكمال دورة حياتها، وقد تستغل ضعف المناعة عند بعض الأشخاص لتنتقل إليهم، وقد تتنقل باللمس المباشر للتربة الملوثة.
  • البكتيريا والجينات المقاومة للمضادات الحيوية: (بالإنجليزية: Antimicrobial Resistant Bactria and Genes) وهي عبارة عن بكتيريا قادرة على التكيّف جينيًا تُحدث طفرات عند مواجهتها بشكل متكرر بالمضادات الحيوية؛ مما قد يُشكل مقاومة لهذه المضادات الحيوية، وقد يكون وجود هذه الجينات المقاومة في التربة بشكل طبيعي عند نقل المضادات الحيوية إلى التربة من خلال بعض الممارسات الزراعية، مثل: تربية الحيوانات، واستخدام الأسمدة، واستخدام المياه العادمة في رّي النباتات، ويؤدي وجود هذا النوع من البكتيريا المقاومة للمضادات في التربة إلى انتقالها إلى الإنسان والتسبب بأنواع عديدة من الأمراض التي تشكل خطرًا على حياة الإنسان والحيوان، كما أنّها تزيد من الأعباء الاقتصادية التي يتطلبها علاج الإنسان عند إصابته بمثل هذه الأمراض.


مصادر التلوث

هناك العديد من مصادر التلوث، وهي كالآتي:[٤][٥]

  • الملوِّثات الطبيعية: فقد تؤدي العمليات الطبيعية التي تحدث في التربة إلى تراكم المواد الكيميائية السامة فيها، ما يزيد من تلوثها، ومن الأمثلة عليها:
  • العوامل الحيوية: من الأمثلة على العوامل البيولوجية (بالإنجليزية: Biological Agents) التي توصل المواد السامة إلى التربة: فضلات الإنسان، والحيوان، والطيور، والأسمدة الطبيعية التي وضعها في التربة لتحسين إنتاج النباتات.
  • الأنشطة البشرية: هناك العديد من الأنشطة البشرية التي يمارسها تزيد من تلوث التربة، وتتمثل في:
  • الممارسات الزراعية: تتمثل الممارسات الزراعية (بالإنجليزية: Agricultural Practices) الخاطئة التي يُمارسها البشر وتُسبب تلوث التربة في زيادة وضع الأسمدة على النباتات؛ لزيادة إنتاجية المحاصيل الزراعية، واستخدام المبيدات الحشرية للتخلص من الآفات التي قد تضر بالمزروعات، وتمثل هذه الملوثات خطرًا كبيرًا؛ لسهولة انتقالها بواسطة مياه الأمطار ومياه الري؛ مما يُسبب وصولها إلى أعماق التربة حيث المياه الجوفية، وبالتالي تؤدي إلى تلوثها، كما أنّها تتسبب بتلوث المياه السطحية.
  • الملوثات الإشعاعية: تنتج الملوَّثات الإشعاعية (بالإنجليزية: Radioactive Pollutants) من التجارب النووية والتي قد ينتج عنها تتسرب للمواد المشعة، مثل: الراديوم، والثوريوم، واليورانيوم، والنيتروجين والتي تسبب سمّية شديدة في التربة.
  • النفايات الحضرية: تتمثل النفايات الحضرية (بالإنجليزية: Urban Waste) من النشاط البشري بالقمامة، ومياه الصرف الصحي المنزلية والتجارية، ويساهم التخلص غير السليم للمياه العادمة والنفايات في تلوث المياه الجوفية بسبب الجريان السطحي للمياه العادمة، كما يسبب تراكم النفايات في التربة إلى وجود بكتيريا تقوم بتحليل المخلفات، الأمر الذي يُسبب انبعاث غاز الميثان، والذي بدوره يساهم في تقليل جودة الهواء، وزيادة ظاهرة الاحتباس الحراري، وانبعاث الروائح الكريهة.
  • المخلفات الصناعية: تتمثل المخلفات الصناعية (بالإنجليزية: Industrial Waste) بالنفايات التي تنتج من مصانع المواد الصلبة، ومصانع المبيدات الحشرية والأسمدة، ومصانع المنسوجات، ومصانع الزجاج، والإسمنت، والورق، بالإضافة إلى مصافي النفط، كما أنّ التخلص غير الصحيح منها قد يؤدي إلى تتسرب المواد الكيميائية من مكبات النفايات، ووصولها بعد فترة من الزمن إلى عمق التربة؛ مما يؤثر في المياه الجوفية، ومياه الشرب والري، والتي بدورها قد تؤثر في المزروعات وبالتالي تلوث المحاصيل، وقد تصل الأبخرة الناتجة عن مكبات النفايات إلى الغلاف الجوي، وتُشكل المطر الحمضي الذي يصل إلى الأرض مرة أخرى.


آثار تلوث التربة

يؤثر تلوث التربة في كل من: الإنسان، والحيوان، والنبات بصورة مباشرة عن طريق لمس التربة الملوَّثة مباشرة، أو عن طريق الاتصال بمصادر أخرى، مثل: الماء الملوَّث بواسطة التربة، أو النباتات المزروعة في تربة ملوثة، وفيما يأتي شرح مفصل لتأثير تلوث التربة في كل من الإنسان، والحيوان، والنبات:[٦]


الإنسان

يؤدي تعرض الإنسان للملوثات إلى الإصابة بالعديد من الأمراض، كما قد يؤدي إلى الصداع، والغثيان، والطفح الجلدي، وتهيج العينين، والإرهاق، ليس من الضروري أن تكون التربة شديدة التلوث حتى تكون ضارة بالإنسان، فقد تؤثر التربة قليلة التلوث في الإنسان بشكل مباشر، فعند زراعة المحاصيل في تربة ملوثة فإنّ النباتات تمتص الملوِّثات؛ ونظرًا إلى عدم قدرة النباتات على التخلص منها فإنّها تتراكم بداخلها، الأمر الذي يؤدي إلى انتقالها إلى الإنسان، كما تنتقل الملوِّثات إلى الإنسان عندما يتغذى على الحيوانات التي تتغذى على النباتات التي وصلتها الملوِّثات عن طريق التربة، وكذلك الأمر بالنسبة للمياه الملوثة بواسطة التربة فإنّها تنقل الملوِّثات إلى الإنسان عبر مياه الشرب أو الريّ.


الحيوانات

يؤثر تلوث التربة بشكل مباشر في الحيوانات، إذ إنّ قد يؤثر سلبًا على عملية التمثيل الغذائي للكائنات الدقيقة، والتي بدورها قد تؤدي إلى فقدان بعض أجزاء السلسلة الغذائية الأولية، وقد تؤثر أيضًا في بعض أنواع الحيوانات المفترسة بواسطة استهلاك الكائنات الحية الدقيقة لهذه الملوِّثات، والتي تنتقل فيما بعد عبر السلسلة الغذائية إلى الحيوانات الأكبر، مما يسبب موت هذه الحيوانات وربما انقراضها.


البيئة

يؤدي تلوث التربة بشكل مباشر إلى انبعاث المواد المتطايرة والغازية إلى الهواء، فلذلك كلما ازداد تلوث التربة زادت كمية الغازات السامة التي قد تنبعث من التربة إلى الهواء، وبالتالي يؤدي وجود هذه العناصر السامة في الغلاف الجوي إلى تشكل المطر الحمضي، إذ تندمج هذه الملوِّثات مع مياه الأمطار أثناء نزولها وتشكل المطر الحمضي، مما يؤدي إلى وصول هذه الملوثات عبر الجريان السطحي إلى المحيطات، والأنهار، والبحيرات، كما يُمكن أن تصل إلى المياه الجوفية، ويؤدي تكرار هطول الأمطار الحمضية إلى تراكم المعادن الثقيلة في التربة لدرجة أنّها قد تصبح غير قادرة على دعم الحياة النباتية، الأمر الذي يؤدي إلى تناقص الإنتاج الزراعي، علاوة على ذلك فإن هطول المطر الحمضي على التربة يؤدي إلى تحولها إلى بيئة حامضية تدمر حياة الكائنات الدقيقة التي تعيش داخل التربة، ويسبب تلوث التربة فقدان التربة للعناصر والمغذيات، مما يؤثر في نمو النباتات وازدهارها؛ لعدم قدرتها على امتصاص المغذيات اللازمة لعملية البناء الضوئي، ومن المعروف بأن عدم نمو النباتات في التربة يؤدي إلى تدميرها وزيادة قابليتها للانجراف، وعند نمو النباتات في مثل هذا النوع من التربة فإنّها ستكون شديدة السُّميّة مما يهدد حياة جميع المخلوقات في النظام الغذائي.

المراجع

  1. Ioana Petrisor (2021), "?What Is Soil Pollution", environmental pollution centers, Retrieved 20/6/2021. Edited.
  2. Ibrahim A Mirsal, Soil Pollution, Page 138. Edited.
  3. Rodriguez-Eugenio, N , McLaughlin, M. and Pennock, D (2018), "SOIL POLLUTION: A HIDDEN REALITY", Fao, Retrieved 23/6/2021. Edited.
  4. Ioana Petrisor (2021), "?What Is Soil Pollution", environmental pollution centers, Retrieved 20/6/2021. Edited.
  5. Dr. Rajesh Kumar Mishra, Dr. Naseer Mohammad and Dr. N. Roychoudhury (5/12/2015), "Soil pollution: Causes, effects and control", ReserchGate, Retrieved 17/6/2021. Edited.
  6. Everything Connects (20/11/2013), "Soil Pollution", everythingconnects, Retrieved 17/6/2021. Edited.